شخصية المسلم واطمئنان النفس
ولو أردنا استعراض سمات شخصية المسلم كما حددها الدين لاستغرقنا في الحديث، طويلا فلنكتف ببعض نماذج تستخلص من كلام الله عز وجل وحديث رسوله حول سمات شخصية المسلم.
1- الإيمان بالقدر: قال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون وهنا ينبغي أن يفسر هذا القول دوما بصفة إيجابية كحث على قبول المصائب بصدر رحب دون الالتجاء إلى مظاهر اليأس والوهن والانهيار أو دون الالتجاء إلى السلوك العدواني المعاكس أو التهجمات المفرطة التي لا يحمد عقباها، ودلا يعني ذلك الاستسلام بل العمل على أن نتعدى أمرنا ونقفز بعد ذلك إلى الأمام لنتغلب على الشدائد والمصائب.
2- مسئولية الاختيار: قال تعالى: { بل الإنسان على نفسه بصيرة } ، وهنا تتجلى حرية الفرد في اختيار مواقفه وسلوكه بكل دراية وهو هدف عديد من العلاجات النفسية المعاصرة.
3- طلب العلم: قال الله تعالى: (فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ) ، ويتضمن ذلك قابلية المؤمن للتوعية والإرشاد.
4- الصدق: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) والصدق فضيلة هامة جدا يرتكز عليها اطمئنان النفس إلى حد بعيد ، ويقاس به مدى انهيارها إذا خلفت ذلك، من ذلك أن بعض الأخصائيين في علم النفس الحديث قد اخترعوا ركائز
لقياس مقدرة الفرد على الصدق والإخلاص استخبار الصدق لهنري باروخ .
5 - التسامح : قال الله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه كأنه ولي حميم } ، والتسامح من الفضائل الهامة لاطمئنان النفس ونيل الارتياح .
6- الأمانة: قال تعالي: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) .
7- الرحمة : قال رسول الله r : " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وهذه الخصال الحميدة لها وزن كبير في سلوك الأفراد الأسوياء والمرضى في آن واحد، ولنذكر هنا بطاعة الوالدين والعناية بهما وبضرورة حسن معاملة الأولياء لأبنائهم ولذويهم على أسس المحبة والرحمة.
8- التعاون : قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ) وقال أيضا: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ، وقال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) وقال رسول الله r :" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وفي ذلك أعظم العبر وأسمى التعاليم للتوافق الأسري والاجتماعي الذي ترتكز عليه قواعد الصحة النفسية.
9- القناعة: وهي من أفضل الخصال البشرية التي تنهي عن التناطح العنيف نحو تحقيق السعادة المادية التي لا حد لها ، والتشبع بقيم التنافس القاسي الذي لا رحمة فيه لأحد والذي يتصف به من سوء الحظ عديد من مظاهر المجتمعات العصرية المرتكزة على قاعدة الاستهلاك شرقا وغربا، وقد ازدادت في هذه المجتمعات الأمراض النفسية في الكم والكيف كما هو معروف.
أما القناعة فهي تعالج الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحقد والغيرة وكراهية الغير المنافس، ومن جهة أخرى السلوك المنحرف الناتج عن الإحباط وما ينتج عنه من سوء التوافق الفردي مع الذات ومع الغير، وإن كان المسلم يحمد الله فليس لغرض غير. غرض السعادة الروحية والاطمئنان وقبول حالته بصدر رحب مع الملاحظ أن ذلك لا يعني الاستسلام والفشل والركود في الذل والخسارة والخصاصة بل إن القيم الأخلاقية الإسلامية تشجع كما هو معروف من جهة أخرى على الإقدام والإزعاج والابتكار لكن بدون أن تستعمل في ذلك وسائل القهر والعنف والحيل الظالمة والرذائل المكروهة بصفة عامة.
10- الصبر: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) (.... وبشر الصابرين )، ويا لها من عبرة فائقة في هذا الصدد حيث تتكاثر الأمثلة في مجال الطب النفسي التي تبرهن على أهمية الصبر والتحكم في النفس على هذا الأساس.
11- العفة: قال تعالى: ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) ومن هنا يتجنب الفرد الشر والرذائل على مختلف أنواعها.
12- القوة والصحة: قال رسول الله r : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. " وقال: " إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ".
وفي ذلك تشجيع على تقوية النفس وتسييرها نحو الإقدام والشجاعة ومزيد من الفاعلية والتفاؤل للخير مستقبلا وكذلك بقصد تجنب كل بوادر اليأس والانهيار.
هذا وينبغي للطبيب النفسي المسلم المعاصر أن يفهم كل هذه التعاليم والقيم في مظاهرها الإيجابية الفاضلة وفي غاية من الاتزان والاعتدال، ليتمكن من تحقيق التوافق النفسي والرقي البشري للفرد والجماعات في كل المجالات .
ومن هنا نستخلص في آخر الأمر قوة مفعول العلاجات التقليدية النفسية التي تستعمل إلى يومنا هذا في كل الأقطار العربية الإسلامية في زوايا الأولياء الصالحين ، ومن طرف المعالجين التقليديين غير الأطباء الذين يبرهنون أحيانا على مهارة مدهشة وعلى تحكم دقيق في أساليب علاجاتهم الروحانية هذه بينما يعجز بعض الأطباء المحدثين، على أن هؤلاء المعالجين يتصفون أحيانا بالشعوذة والتدجيل من سوء الحظ وعلى الطبيب المعاصر الماهر أن يغربل ما بين الفضائل والرذائل وما بين اللب والقشور، ويستخلص من كل هذه الطرق العبرة والمفاهيم الصحيحة ليركز المريض على أساس إيجابي انطلاقا من اعتقاداته الأصلية وفي فائدته أولا وبالذات.
الوقاية الدينية كن المرض النفسي:
ومن ذلك كله يتجلى أن الإيمان كثيرا ما يكون العقيدة المثلى والسلوك الصالح لاستقرار الأنا واطمئنان النفس ، لكن السلوك الذي يخرج عن الدين أو بالعكس الذي يأخذ شكل العبادة المفرطة يصل أحيانا أمرا خطيرا قد يؤدي إلى الشذوذ والانحراف وإلى مشتبكات نفسية معقدة ومن ذلك ينبغي أن تتضمن الوقاية من المرض النفسي في البيئة العربية الإسلامية الاهتمام بالتربية الأخلاقية، وبتركيز القيم الدينية كدعامة للسلوك السوي وكشرط أساسي للتوافق النفسي والاجتماعي.
والمعروف، أن الدين الإسلامي يوحي بالاهتمام بالحياة الدنيا والآخرة، وبإحداث توازن بين الملذات والماديات والأخلاقيات والروحانيات كي يتم التوافق النفسي.
ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ".
ولنختم كلامنا بقول الشيخ الرئيس ابن سينا الذي أشار إلى أن أنفع البر هي الصدقة وأزكى السر هو الاحتمال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما صدر عن الحكمة والفضائل وعن معرفة الله أول الأوائل
ليست هناك تعليقات :